خيوط التصعيد في الجنوب… ومآلات التقاطع مع “حماس”

لا يمكن قراءة التصعيد المستمر في قطاع غزة بمعزل عن التصعيد الأخير في الجنوب السوري، حيث تتفاعل الأحداث في مشهد يعكس التعقيد الجغرافي للمنطقة. إذ شهدت مرتفعات الجولان خلال الأيام القليلة الماضية قصفا مصدره الأراضي السوري، تبنته مجموعة تدعى “كتائب الشهيد أحمد الضيف”، وهو اسم يحمل دلالات مباشرة مرتبطة بحركة حماس. 

هذه التطورات وضعت سوريا مجددا في قلب المعادلة الإقليمية، وربما في قلب صفقة أكبر تعيد الربط السياسي بين غزة ودمشق. 

حماس في الجنوب السوري:

اسم المجموعة المنفذة المرتبط بمحمد الضيف القائد العام لكتائب القسام، يوحي بمحاولة رمزية لاستعراض امتداد نفوذ حركة “حماس” إلى الجنوب السوري، هذا النفوذ بات يقينا بعد الغارات الإسرائيلية صباح اليوم على منطقة بيت جن جنوب دمشق والتي قال بيان للجيش الإسرائيلي بأنها استهدفت قيادي في حركة “حماس”. كما أن هذا الهجوم يفتح باب التساؤلات عن حجم التنسيق بين الفصائل الفلسطينية داخل وخارج سوريا 

سوريا بين الاهتمام الأمريكي والضغط الإسرائيلي: 

تتزايد صعوبة موقف سوريا فهي الآن تسعى إلى ترسيخ موقع لها في المشهد الإقليمي والدولي. ما يسبب التردد دون الإرباك. عليها التعامل بجدية والتقاط فرصة الانفتاح الدبلوماسي الأميركي – عبرت عنه تصريحات المبعوث الأمريكي إلى سوريا توماس باراك والخطوات الأميركية المتمثلة مؤخرا بإزالة سوريا من قائمة الدول المارقة والحديث عن شراكة أميركية سورية حقيقة واهتمام إعلامي أميركي – وبين تهديدات إسرائيلية تحمل مسؤولية ما يجري في الجنوب للنظام السوري.

وزير الدفاع الإسرائيلي يائير كاتس حمل الرئيس السوري أحمد الشرع مسؤولية الهجمات الصاروخية على الجولان، مضيفا: “تكرار هذا النمط لن يواجه بصمت”. 

يطرح ما سبق سؤالاً: هل أصبح الاستقرار في الجنوب السوري متداخلا مع مصير غزة؟ وفق الأحداث! لم يعد هذا الترابط مجرد افتراض. خصوصا مع التقارير عن مقترحات أميركية برعاية ترمب تقضي بإيجاد حلول إنسانية للفلسطينيين في غزة، قد تشمل إعادة توطين بعضهم في دول الجوار منها سوريا. 

سوريا ومستقبل غزة: 

وفي حال صحت دراسة هذا الطرح من الجانب السوري، فإن ذلك يضع دمشق في موقع لم تكن فيه لعقود: صياغة مستقبل القضية الفلسطينية، لا عبر الشعارات والأجندات المبهمة بل عبر قرارات إجرائية سيكون لها انعكاسات جيوسياسية كبرى. 

دمشق على خيط رفيع: 

لا شك أن هذه المستجدات التي تعيد سوريا إلى الواجهة بهذا الزخم يعكس تحولات جوهرية في المقاربات الدولية والإقليمية تجاه هذا البلد الذي على ما يبدو تحول من كونه ساحة صراع وفوضى إلى ساحة تفاوض على تنسيق شؤون المنطقة واستقرارها، ما يجعل دمشق تسير على خيط رفيع بين استثمار الدور السياسي واستعادة السيطرة الكاملة من جهة وتجنب التورط في مواجهات بالوكالة قد تنسف هذا المسار، من جهة أخرى. 

في هذا السياق تبدو إلى الآن الفصائل الفلسطينية جزءا من هذا التوازن الدقيق، فهل تسمح سوريا بهذا الهامش للمناورة؟ أم أنها ستغلق هذا الباب باسم “الأمن المتبادل” كما ألمح الشرع في حواره الأخير. 

ليس التصعيد في الجنوب السوري مجرد مستجدات أمنية، بل مؤشر على معادلات متغيرة في الإقليم، حيث تتداخل أوراق غزة بالجولان، ولعل ما نراه هو اختبار حقيقي لدمشق ما إذا كانت ستتقدم في دورها الجديد دون الوقوع في فخ الأجندات الإقليمية. 

الإجابة عن هذه الأسئلة لا تحدد فقط مصير الخريطة السورية في الجنوب، بل ربما مصير قطاع غزة أيضا.. وربما ملامح الشرق الأوسط الجديد.